بشارات الرحمة فى ميزان الرحمن فى إستخلاف الإنسان

[الخبير الشاعر]

ميزان الرحمن فى إستخلاف الإنسان

بشـــــــارات الرحمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ
يقول الله تعالى

(( وَ الَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّـغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَ أَنَابُوا إِلَى اللهَِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ( 17 ) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقُولَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهَُ وَأُوْلَـئِكَ هُمْ أُوْلُواْ الاَْلْبَـبِ( 18 ) أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِى النَّارِ( 19 ) لَـكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الاَْنْهَـرُ وَعْدَ اللهَِ لاَ يُخْلِفُ اللهَُ الْمِيعَادَ( 20 ) )) سورة الزمر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ

المتأمل فى كون الله تعالى وملكه , يدرك رحمة الله الغالبة , ورحمانيته السابغة
فما بين شمس درجة حرارة مركزها مليون درجة مئوية ,, تنشطر أجزاءها وذراتها إنشطارا نوويا , منذ بداية خلقها , وحتى يرث الله الارض ومن عليها , ولكنها تشرق على اهل الأرض بالضياء والدفئ , وتغمر الأرض الظلال التى تقى حرها , والانسام التى تلطف قيظها . بإذن ربها
وما بين أرض تنصهر بواطنها حتى تذوب وتنصهر أشد الصخور صلابة , وأقواها تركيبا وصلادة , ويبقى سطحها عامرا بالبساتين والزروع , والثمار والزهور , وينبت الخيرات , وتغمره لطائف الرحمة الربانية من مياة باردة , ونسائم لطيفة, وظلال غامرة . وكذلك الحال فى البحار المسجورة بلهيب أعماقها .
ذلك أن رحمة الله تعالى , سابقة غالبة , فمع أسماءه وصفاته سبحانه وتعالى ,, الجبار والقهار , والقوى والشديد , والمتين , لكنه سبحانه وتعالى يستوى على عرشه بصفة الرحمة , وبإسمه الرحمن ( لا الجبار ولا القهار ) (( الرحمن على العرش إستوى )) سورة طه .
ومن تسبيح حملة العرش , لربهم وربنا جل وعلا , (( وسعت كل شيئ رحمة وعلما ))
(( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) )) سورة غافر
ويقول سبحانه عن ذاته جل وعلا (( ورحمتى وسعت كل شيئ ))
(( وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ غڑ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) )) سورة الأعراف
وفى الحديث .. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : " إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ : إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي ، فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ "
وفى الحديث المرفوع .. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ , أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ , وَالإِنْسِ , وَالْبَهَائِمِ , وَالْهَوَامِّ , فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ وبِهَا يَتَرَاحَمُونَ , وبِهَا تَعْطِفُ الْوُحُوشُ عَلَى أَوْلادِهَا , وَأَخَّرَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ رَحْمَةً يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "
لهذا كله كان الرحمن جل وعلا ,, العزيز الغفار , يحاسب عباده المؤمنين به ,, يوم القيامة ( وبعد الموت ) برحمانيته التى تعلو كل رحمة من سواه , فما أوجب توحيد ذاته , وعبادته سبحانه وتعالى , إلا لصلاح خلقه , مع غناه سبحانه عنهم , ولإقامه ميزانه فى الأرض لصلاحها, ولصلاح الإنسانية فى إستخلافها التعبدى لله جل وعلا
(( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ( 22 ) أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ( 23 ) )) سورة محمد
يتفضل عليهم بالهداية إلى أنواره فى الدنيا لصلاحهم ((هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما . )) سورة الأحزاب ., ويأخذ أيديهم برحمانيته ليدخلهم دار السلام ومستقر الرحمة بفضله
بعد أن أحياهم سعداء بعبادته وطاعته فى الدنيا , وأفاض عليهم من مكنونات خزائنه ونعمه , فى إستخلافهم التعبدى عنه سبحانه وتعالى فى الأرض فى حياتهم الدنيا ((

وَآتاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ...) سورة إبراهيم

(( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )) سورة النحل
(( أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) )) سورة ص

(( أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون )) سورة القلم ( ( أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون ( 21 ) )) سورة الجاثية

وتزداد الرحمة فى الآخرة , ويزداد الفضل والرضوان منه سبحانه وتعالى على عباده .

(( مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا )) (النساء147)
وإذا كان الله تعالى قد إستوى على عرشه برحمانيته ,, وبإسمه الرحمن ,, فإن رحمانيته بعباده وحملة منهاجه ,, تعلو فى الآخرة إلى آماد عظيمة ,,
(( الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَن وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26) )) سورة الفرقان
يقول الله تعالى (( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا)) [النساء:48]
فالموحد العاصى فى مشيئة الله تعالى ( حتى هؤلاء الذين يقترفون اكبائر )
إن شاء سبحانه وتعالى عفا عنهم , وإن شاء عذبهم عى قدر معاصيهم , ثم يدخلهم الجنة , بشفاعة أو بغير شفاعة .
ذلك أن التوحيد كالذهب , منه الخالص ( توحيد وطاعة ) , ومنه الجيد ( توحيد ,وطاعة مع لمم ) , ومنه الردئ ( توحيد ومعاصى حتى الكبائر ـــــ ما لم يصب دم مؤمن متعمدا لقول الله تبارك وتعالى ((( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ( 93 ) ) .)) سورة النساء ))...
والذهب يظلُ ذهبا , تنقى شوائبه , إما بتوبة فى الدنيا , أو تعذيب على قدر المعاصى قبل دخول الجنة , أو عفو وغفران من الله الرحمن , العزيز الغفار .
وهذا بخلاف الشرك والكفر والعياذ بالله , فإنه ظلمة كله , بل ظلمات , وخَبث كله , بل خبائث , ونجس كله لا ينفع معة تنقية أو غفران.
يقول الله تعالى : ((ُ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا – فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) )) سورة فاطر
(( أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) )) سورة الرعد
فتوحيد الله تعالى , مهما خالطته الذنوب , حتى ولو كانت الكبائر , كفيل برحمة الله لعبده المذنب ,, ولعباده المذنبين ,
وفى الحديث القدسى , قال الله تبارك وتعالى: (يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة) رواه الترمذيوصححه ابن القيم وحسنه الألبانى
وفى الحديث الصحيح عن أبى ذر الغفارى , يقول ((خرجت ليلة من الليالي . فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وحده . ليس معه إنسان . قال : فظننت أنه يكره أن يمشي معه أحد . قال : فجعلت أمشي في ظل القمر . فالتفت فرآني . فقال : ” من هذا ؟ ” فقلت : أبو ذر . جعلني الله فداءك . قال : ” يا أبا ذر تعاله ” . قال : فمشيت معه ساعة . فقال : ” إن المكثرين هم المقلون يوم القيامة . إلا من أعطاه الله خيرا . فنفح فيه يمينه وشماله ، وبين يديه ووراءه ، وعمل فيه خيرا ” . قال : فمشيت معه ساعة . فقال : ” أجلس ههنا ” قال : فأجلسني في قاع حوله حجارة . فقال لي : ” أجلس ههنا حتى أرجع إليك ” قال : فانطلق في الحرة حتى لا أراه . فلبث عني . فأطال اللبث . ثم أني سمعته وهو مقبل وهو يقول : ” وإن سرق وإن زنى ” قال : فلما جاء لم أصبر فقلت : يا نبي الله ! جعلني الله فداءك . من تكلم في جانب الحرة ؟ ما سمعت أحدا يرجع إليك شيئا . قال : ” ذاك جبريل عرض لي في جانب الحرة . فقال : بشر أمتك أنه من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة . فقلت : يا جبريل ! وإن سرق وإن زنى ؟ قال : نعم . قال قلت : وإن سرق وإن زنى ؟ قال : نعم . قال قلت : وإن سرق وإن زنى ؟ قال : نعم . وإن شرب الخمر ” المسند الصحيح .
وعن أبي ذر بلفظ آخر وهو ( مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ ) قُلْتُ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ؟ قَالَ : ( وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ) قُلْتُ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ؟ قَالَ : ( وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ) قُلْتُ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ : ( وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِى ذَرٍّ ) .
وما بين كون منظور , وقرآن مسطور , وقيومية رحمانية لله تعالى على عباده وخلقه , فإنه لا يغفل عن رحمة الله تعالى , ولا يستبشر بها , ويعجز عن إدراكها وإبصارها , إلا أعمى القلب والعينين , بل إن رسول الله الخاتم محمد , صل الله عليه وسلم , لم يبعث إلا رحمة للعالمين
(( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ )) [الأنبياء:107].
والقرآن الكريم هدى ورحمة , مع كونه نور يهدى البصائر والأبصار , (( هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ))
(( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا )) الإسراء
ورحمة الله تعالى فى الآخرة بعباده , وحملة منهاجه , أتم وأشمل , وأكبر وأعظم
فالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ, ولله الحمد والفضل والمنة . سبحانه وتعالى .
وسبحانك اللهم وبحمدك , لا علم لنا إلا ما علمتنا , إنك أنت العليم الحكيم .
والله تعالى أعلى وأجل وأعلم .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين